إدوارد جينر : -
سيرته
الطب: جنر Jenner
لايكاد الإخاء الطبي (تمتع الجميع بالرعاية الطبية) يستحق هذا الاسم الذي أطلق عليه لأن الرعاية الطبية تعكس تماما الولع البريطاني بالتمييز بين الطبقات، فكلية الأطباء الملكية Royal College of physicians - الفخورة بتأ سيسها في عهد هنرى الثامن في سنة 5181 - تقصر زمالتها على نحو خمسين كانوا قد حصلوا على درجاتهم العلمية من أكسفورد أوكامبردج، كما تقصر إجازاتها Licentiate على نحو خمسين من الممارسين المميزين. ويكون هؤلاء المائة نوعاً من المجالس أقرب مايكون إلى مجلس لوردات الأطباء ودارسي الطب House of Lords to medicos في إنجلترا. ويحصل هؤلاء الأعضاء على دخول كبيرة فأحيانا مايصل دخل الواحد منهم إلى عشرين ألف جنيه في السنة. ولايمكن للواحد منهم أن يكون نبيلا أو أميرا، وإن كان يمكن أن يصبح في رتبة فارس وقد يطمح للبارونتية (درجة دون البارون ) والكلية الملكية للجراحين التي أسست سنة 0081 من بين المؤسسات الأدنى درجة. ويلي تلك الدرجة الأطباء القائمون بتوليد النساء (الذين يقومون بعمل القابلات male midwives) الذين تخصصوا في سحب الأجنة من الأرحام (حيث الدفء والأمان) إلى العالم الخارجي حيث المنافسة والصداع. وفي قاع السلم الاجتماعي للعاملين في المهن الطبية يأتي الصيادلة الذين يقدمون كل الرعاية الطبية تقريبا في المناطق الريفية.
ولا تقدم أي كلية من هذه الكليات الآنف ذكرها أي نوع من التعليم الطبي فيما عدا بعض المحاضرات التي يلقيها مشاهير الأطباء في المناسبات. ولم يكن في أكسفورد ولا كامبردج مدرسة للطب فالطلاب الذين كانوا يرغبون في الحصول على تعليم وتدريب طبيين كان عليهم أن يلتمسوه في إسكتلندا وفيما عدا ذلك فإن تدريب الأطباء الإنجليز ترك للمدارس الخاصة التي أقيمت بالقرب من المستشفيات الكبرى بأموال المؤسسات الخيرية وتبرعات المحسنين. وقد أنقق السير توماس برنارد Thomas Bernard كثيرا من ثروته في إصلاح مستشفى اللقطاء الشهيرة في شمال لندن وشارك غيره من الأثرياء في تمويل مستوصفات (عيادات Clinics) لعلاج السرطان والرمد والفتق، في لندن وأماكن أخرى. لكن وسائل منع انتشار الأمراض كانت هزيلة في المدن مما أدى إلى انتشار الأمراض بل وظهور أمراض جديدة، وكانت سرعة انتشار الأمراض تفوق إمكانات العلاج.
وفي سنة 1806 سجلت لندن حدثا فريدا: لقد مضى أسبوع كامل دون أن يتوفى أحد بمرض الجدري - ذلك المرض المسبب للبثور والحمى والمشوّه للوجه والمعدي والذي كان في وقت من الأوقات متوطنا في إنجلترا وقد ينتشر في أي وقت مرة أخرى ليصبح طاعونا مميتا (المقصود كارثة مسببة للموت).
وقد أعاد أسبوع المعجزات طبيب إنجليزي بسيط هو إدوارد جنر كان مدمنا على الصيد (القنص) وعلم النبات وقرض الشعر، وعزف الفلوت والضرب على الكمان (الفيولين)، بنشر التطعيم ضد هذا المرض طوال عقد من الزمان منهيا بذلك موقف المجتمع البريطاني المتحفظ ضد كل ما هو جديد. لقد كانت الوقاية من مرض الجدري عن طريق التطعيم بفيروس المرض بعد إضعافه طريقة يمارسها الصينيون القدماء ووجدت الليدي ماري وورتلى مونتاجو Mary Wortley Montagu هذه الطريقة معتادة في القسطنطينية (إسطنبول أو استانبول) في سنة 17177 وقد أوصت عند عودتها إلى إنجلترا باستخدام هذه الطريقة. وقد جرب نظام التطعيم هذا على المجرمين ومن ثم على الأيتام وحقق نجاحا ملحوظا. وفي سنة 1760 قرر الدكتور روبرت ستون sutton والدكتور دانيال ستون أنه من بين ثلاثين ألف حالة طعمت ضد الجدري لم يصب بهذا المرض سوى 1200 (ألف ومائتي حالة). أيمكن أن تكون هناك طريقة أفضل لمنع الجدري؟ لقد اهتدى جنر إلى طريقة أفضل عندما لاحظ أن كثيرات من العاملات في حلب ما شية اللبن في بلده جلوسسترشير Gloucestershire يصابون بجدري البقر من خلال ملامستهم لحلمات الأبقار المصابة وبالتالي يصبحن ذوات مناعة ضد مرض الجدري (الذي يصيب البشر)، وتراءى له أنه يمكن تكوين مناعة شبيهة باستخدام طعم (لقاح) (الكلمة الإنجليزية Vaccine من الكلمة اللاتيينة Vacca وتعني بقرة) من فيروس جدري البقر الذي يمكن الحصول عليه من الأبقار المصابة. وفي بحث نشر في سنة 1798 ذكر جنر الإجراء المغاير لما هو متبع والذي وضع به أسس الطب التجريبي وعلم الطب الوقائي (علم المناعة):
” |
".. لقد تخيرت صبيا صحيحا في نحو الثامنة من عمره بغرض تجريب تطعيمه بجدري البقر، وتم الحصول على القيح من قرحة من يد إحدى العاملات في حلب ألبان البقر وحقن الصبي بهذا القيح في 14 مايو سنة 1796 في ذراعه ... وفي اليوم السابع اشتكى متوعكا .. وفي اليوم التاسع أصبح يرتعد وفقد شهيته وأصيب بصداع خفيف ... وفي اليوم التالي كان في حالة جيدة تماما...
وكي أتأكد مما إذا كان الصبي بعد تعريضه لإصابة خفيفة من فيروس جدري البقر، أصبح آمنا (اكتسب مناعة) ضد الجدري (الذي يصيب البشر)، فقد تم حقنه في أول يوليو التالي بقيح الجدري الذي يصيب البشر Variolous matter (الكلمة اللاتينية Variola تعنى الجدري Smallpox) تم أخذها مباشرة من بثرة مصاب بالجدري ... فلم تظهر على الصبي أعراض الجدري وبعد عدة أشهر تم حقنه مرة أخرى بقيح الجدري الذي يصيب البشر لكن لم يظهر على بدنه أي عرض من أعراض الجدري.(9) | “ |
واستمر جنر Jenner يصف حالات أخرى بلغت اثنتين وعشرين حالة اتخذ معها الإجراء نفسه فكانت النتائج مرضية تماما. وقد تعرض لاتهامات بإجراء التجارب على الأحياء وبدا للذين اتهموه وكأنه يقوم بتشريح الأحياء وحاول الاستفادة من الأقلية الموافقة ببناء بيت صغير له، وإنشاء حديقة زهور يزرعها بيديه(01) وفي عامي 1802 و 1807 وافق البرلمان على منح جنر 000،03 جنيه إسترليني لتحسين طرائقه لمقاومة الجدري ونشرها. وكاد الجدري يختفي من أوربا وأمريكا خلال القرن التاسع عشر، وإذا حدث وأصيب به شخص فإن هذا الشخص يكون غير مطعم (لم يتلق التطعيم ضد المرض). وتم تطبيق نظام التطعيمات الواقية ضد أمراض أخرى وأسهم علم المناعة الجديد بالإضافة للوسائل الجديدة التي أحرزها الطب وبالإضافة لتحسن الظروف الصحية والبيئية العامة في تحسين الأحوال الصحية في المجتمعات الحديثة التي نهشها الفقر وترعرع فيها الجهل وازداد فيها الجشع وثابر فيها المرض بأساليب شتى.
الجدري
في أواخر القرن الثامن عشر، قام إدوارد جنر بملاحظة ودراسة الآنسة ساره نيلمس حلابة البقر التي اصيبت بالجدرى سابقا ووجدت بعد ذلك محصّنه ضدّ الجدري وذلك لأنها كانت قد أصيبت بحمى جدري البقر (cowpoxx). فاستنتج جينر أن أخذ مواد من جلد المصابة وحقنها بشخص آخر لإصابته بنفس المرض سوف يولد مناعة مستقبلية ضد مرض الجدري وذلك لأن هذا المرض هو مشابه للجدري ولكنه أقل خطورة. طوّر جنر اللقاح الأول مستند على هذه النتائج؛ بعد جهد طويل (لكن ناجح) قام بحملة تطعيم استمرت إلى أن أعلنت منظمة الصحة العالمية إستئصال الجدري من العالم في عام 1979.
أعمال جنر
بدأ جنر تجاربه في موطنه بركلي في گلوسترشاير. اعتقد كثير من الناس هنالك أن عاملات المَلبنة اللاتي أصبن بجدري البقر لا يمكن أن يصيبهن الجدري. كان جدري البقر مرضًا خفيفًا يتسبب في قروح قليلة في الأيدي، ومخاطره قليلة فيما يتعلق بالتشوه أو الموت. أخذ جنر عام 1796م عينة من مادة التقرح الذي أصاب يد سارا نَلمِس عاملة الملبنة المحلية التي أُصيبت بجدري البقر أثناء حلبها للأبقار، وقطع جرحين على ذراع جيمس فيبس ـ صبي معافىً عمره ثمانية أعوام ـ وأدخل مادة التقرح التي أخذها من قروح سارا، فأصيب الصبي بمرض جدري البقر. وبعد 48 يومًا أدخل جنر مادة الجدري داخل ذراع الصبي ـ وعادة ما تكون هذه المادة مهلكة ـ إلا أنها لم تؤثر في الصبي لأنه قد تطعم بمادة جدري البقر وبالتالي نجحت تجربة جنر. تلك كانت المرة الأولى التي تم فيها التطعيم.
الانجازات
اللقاحات التي تعطى لكل طفل منذ الأشهر الأولى لولادته, تحصنه ضد عدد كبير من الأمراض, مثل الحصبة وشلل الأطفال والتهاب الكبد الفيروسي وغيرها . لهذه اللقاحات قصة بدأت في مدينة بركلي البريطانية، في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر . اكتشف إدوارد جنر بالمصادفة أن الإصابة بفيروس جدري البقر تقي البشر من ويلات الإصابة بمرض الجدري، الذي كان يعتبر أخطر وباء يصيب البشر في ذلك الحين . بدأ الفصل الأول لقصة أول لقاح في التاريخ عام 1798, عندما جاءت سيدة تستشير إدوارد جنر في مرض، وعند سؤالها إذا كانت أصيبت بالجدري، أكدت له أنها تعرضت لجدري البقر لذلك لن تصاب بجدري البشر!! بدأ الطبيب يبحث في خفايا هذا السر ، فاكتشف أن جدري البقر نوعان ، يشبه أحدهما جدري الإنسان ، فاستفاد منه واختبر بثوره في ذراع أحد المتطوعين فاكتسب مناعة ضد جدري البشر المميت . من هذه البداية ظهرت عشرات اللقاحات وتطورت أساليب استخلاصها إلى أن ظهر الآن علم متكامل اسمه علم المناعة يرجع الفضل الأول فيه إلى تجارب إدوارد جنر.
المعروف: |
الجدري أكثر خطورة من التطعيم؛ وجدري البقر أقل خطورة من التطعيم. |
الفرضية: |
الاصابة بجدري البقر تعطي مناعة ضد الجدري. |
الاختبار: |
إذا فشل التطعيم بالجدري بعد الاصابة بجدري البقر في احداث اصابة بالجدري، فإن المناعة ضد الجدري تكون قد تحققت. |
النتيجة: |
المناعة ضد الجدري يمكن احداثها بطريقة أكثر أمان من التطعيم بالجدري نفسه مباشرة. |
الاعتراف والتكريم
بعد مزيد من التجارب نشر جنر كتابه سؤال في أسباب وتأثيرات لقاح الجدري (1798م)، ثم ذهب إلى لندن لعرض اكتشافه على عالم الطب. نشر عام 1799م مزيدًا من الملاحظات حول لقاح الجدري أو جدري البقر، الذي كتبه أساسًا ردًا على الذين عارضوا التطعيم.
أصبح التطعيم مقبولاً كوسيلة لوقاية الناس من العدوى بمرض الجدري. وفي القرن التاسع عشر الميلادي انهالت ألقاب الشرف على جنر من جميع أنحاء العالم.
منحه البرلمان 10,000 جنيه عام 1802م و20,000 جنيه أخرى عام 1806م، لأنه كرس كل وقته في اكتشافه الذي أفقده دخلاً من ممارسة عمله الطبي النظامي. كما منحته جامعة أكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية في الطب عام 1813م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق