باول إرليخ : -
(1854-1915)
بول إِرليخ Paul Ehrlich طبيب وجراثيمي ألماني. ولد في شتْرِهْلين Strehlen وتوفي في باد - هومبورغ Bad- Homburg. له الكثير من الاكتشافات الطبية التي تتصل بالنسج وكريات الدم والمناعة والجراثيم والأدوية.
درس الطب متنقلاً بين عدة جامعات وحاز شهادة الدكتوراه من بريسلاو Breslau سنة 1877. وقد عني منذ أيام دراسته بطرق تلوين النسج الحية, ووضع وهو طالب الأسس الأولى لمشكلات علمية استأثرت باهتمامه طول حياته, وظلت من أهم مجالات نشاطه. سمي بعد تخرجه في الجامعة رئيس أطباء في مستوصف في برلين, ولكن سرعان ما انصرف كلياً إِلى البحث العلمي وتفرغ لدراسة العلاقة بين الملونات وأنواع النسج والخلايا.
فهو أول من فرق بين الكريات البيض الأسسة basophil والحمضة acidophil والعدلة neutrophil عن طريق تلونها. ثم درس أنواع فقر الدم anemia التي تسببها ابيضاضات الدم leukemia, وحدد نوعاً من فقر الدم أسماه فقر دم إِرليخ وهو ما يطلق عليه اليوم فقر الدم اللاتنسجي aplastic a.. والتفت على نحو خاص إِلى تلوين الكريات الحمر وتغير أشكالها.
ويعتمد ما يعرف اليوم عن الكريات السوية والمرضية إِلى حد بعيد, على نتائج بحوثه. فقد تعرف أجساماً bodies في الكريات الحمر تشاهد في حالة انحلالها بسم من السموم, وسميت هذه الأجسام باسمه. كما برهن على أُلفة affinity بعض المواد الملونة للجراثيم والخلايا الحية, كأُلفة أزرق المتيلين للنسيج العصبي.
وكشف عام 1882 أن العصية السلية تتلون بالفوكسين fuchsin ومازال المبدأ الذي وضعه لتلوينها مطبقاً حتى اليوم عند تحري هذا الجرثوم في العناصر المرضية.
نشر إِرليخ في عام 1885 كتاباً عرض فيه نظرياته في المناعة, وهي الحقل الثاني الذي أولاه اهتماماً. وفيه يبرهن على تعديل فعل الذيفان toxin بالترياقantitoxin النوعي له, ويبين أن التفاعل بين المستضد antigen والضد antibody يتم وفق اتحاد كيمياوي بين مستقبلات receptors نوعية توجد على سطح كل منهما, وهي ذات تركيب يتمم الواحد منها الآخر. وشرح نظرية السلاسل الجانبية.
سمي إِرليخ سنة 1887 أستاذاً في جامعة برلين, ولكن أصيب بجرثومة السل في أثناء قيامه بتجاربه عليها. فاحتجزه التدرن بعيداً عن مخبره وبحوثه, نحو سنتين قضى منهما عدة أشهر في مصر للاستشفاء. وفي سنة 1890 وَكل إِليه روبرت كوخ إِدارة أحد مخابر معهد الأمراض الخمجية. فتابع أعمال أ.بهرنغ Emil Von Behring. التي تتصل بترياق الخناق. وتوصل إِلى طريقة لمعايرة هذا الترياق ما زالت تُتبع حتى اليوم. وفي عام 1896 قام بإِدارة معهد البحوث المصلية في برلين. وبقي مديراً له حينما نُقل هذا المعهد إِلى فرانكفورت واتخذ اسم معهد المداواة التجريبية. وفي سنة 1906 كُلف رئاسة مركز جورج شبيير Georg Speyer. للمعالجات الكيمياوية. فتابع فيه دراساته عن الذيفانات الجرثومية والترياقات, وقادته تجاربه إِلى إِيجاد طريقة لمعايرة الترياقات عامة. واستنتج منها قوانين للمناعة الخلطية. ويعد إِرليخ, مع إِميل رو Emile Roux وبهرنغ, من رواد المعالجة بالمصول وواضعي أسسها النظرية.
وأما حقل نشاطه الثالث فهو المداواة الكيمياوية. لقد كان من المعروف أن معظم الملونات تتثبت على الأحياء المجهرية وتقضي عليها. فحاول استخدام هذه المواد لغايات دوائية, وسعى للاستفادة منها في معالجة داء المثقبيات trypanosomiasis لكن النتائج التي خلص إِليها لم تكن تامة, بيد أن النجاح الكبير الذي لاقاه جاء من البحوث التي أجراها في أواخر حياته والتي اتصلت بمركبات الزِرنيخ (الأرسنيك). فقد توصل سنة 1909 مع هاتا Hata الياباني إِلى وضع دواء السلفارسان Salvarsan (وتركيبه أرسْفينامين arsphenamine) فكان أول علاج نوعي لمرض الإِفرنجي (السفلس). لقد برهن أن هذه المادة غير مؤذية نسبياً للنسج, وتتصف بقدرة القضاء على اللولبيات الشاحبة عامل الإِفرنجي وعلى لولبيات الداء العُلّيقي yaws. وقد أتاح له هذا الكشف شهرة عالمية. ثم تابع دراسة تأثيراته, فعدل من تركيبه سنة 1912, حتى أصبح أقل سمية وأكثر فاعلية وأسماه السلفارسان الجديد (وتركيبه phenarsanamine) وبقي هذا المستحضر الدواء الوحيد لمعالجة الإِفرنجي حتى عام 1945 حينما حلَّ البنسلين مكانه.
وفي سنة 1914 سمي إِرليخ أول رئيس لجامعة فرانكفورت الجديدة وأستاذاً للمداواة التجريبية فيها. ولم يبق في مركزه هذا إِلا نحو سنة واحدة توفي بعدها عن عمر بلغ 61 عاماً.
ومما يلفت الانتباه في سيرة هذا العالم تنوع المواضيع التي بحث فيها, وقدرته الكبيرة على العمل, وسعة معارفه. وقد أتاحت له ثقافته وضع فرضيات علمية تمّ التأكد منها باختبارات متكررة فيما بعد.
نَعم إِرليخ في حياته بما لم ينعم به الكثيرون من علماء عصره فشغل مناصب علمية مرموقة ونال شهرة واسعة وحسن تقدير, ومنحته جامعتا أكسفورد وشيكاغو لقب دكتور شرف وحاز جائزة نوبل في الطب عام 1908.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق